غالب البنا

التقيته اليوم بعد ربع قرن من موته ، لم يتغير شيء في ملامح وجهه ، ابتسامته الطفولية ما زالت تملأ وجهه ، لم أنتبه له وهو يمشي على الرصيف المقابل ، ولكني تذكرت صوت صفيره الذي كان يطلقه بمجرد زمة صغيرة يزم بها شفاهه المتراصة ، التفت اليه نعم انه (خالد) ما زال يحتفظ بسترته الزرقاء التي كان يلبسها يوم كنا في سن المراهقة نحمل الكرة لنذهب الى ساحة المدرسة بعد نهاية الدوام لنركل الكرة نعم كنا نذهب الى المدرسة عصرا باحساس مختلف عن ذهابنا لها صباحا !!
عادت بي السنون عقودا ، حيث كنت أحسده على بيته الذي يقع في الطابق الأرضي من بنايتنا، بينما كنت أتجشم عناء النزول والصعود لأربعة أدوار كاملة ، صحيح أنني في حينها كنت في ثورة نشاطي ، وكان الصعود لشقتنا في الأعلى مشكلة وقت ليس الا ، ومع ذلك لم يسلم من حسدي له وهو يسبقني الى منزلهم .
سلمت عليه ليس بلهفة سنين الفراق التي باعدتنا وكأنني رأيته بالأمس ، سألني عن أخباري وأخبار أصدقاء مدرستنا ، لم أتذكر منهم الا اثنين أو ثلاثة ممن سماهم لي ، يا لها من ذاكرة فولاذية تلك التي يملكها بعد كل تلك السنين ، ويا لي من مراهق خبيث كنت حينها أتحين اللحظة التي يقرع بها جرس بابهم لأختلس نظرة الى وجه شقيقته قبل أن يغلق الباب ، خيانة لا مشروعة مارستها حينها بحق الجيرة والصداقة !!
أذكر تماما كيف طلب مني دفترا ليلتها لأنني أنهيت كتابة واجبي المدرسي ، بينما لم يشأ أن يلزم نفسه عناء كتابته من بنات أفكاره، ولكنه صديقي ولن أخذله أبدا .
أخذ الدفتر ومن يومها لم أره ولم أر الدفتر ..
أدرت وجهي قبالته لأعاتبه على غيبته الطويلة ، فلم أجده ،كان قد اختفى في خلسة من اجتراري لتلك اللحظات ،لقد غاب غيبته الثانية !! لكنه هذه المرة غاب بصمت ليس كالمرة الأولى عندما ملأ نحيب أمه الثكلى أرجاء بنايتنا الوديعة ، ولكنه كررها وأخذ مني أوراق ذكرياتي دون أن يلتفت الي ..
استفقت لأقولها متأخرة عن وقتها خمسا وعشرين سنة : " رحمك الله يا خالد " .
2 تعليقات

  1. غير معرف Says:

    رائعة استطعت أن تسبر الحلم بدفق من الكلمات المؤثرة


إرسال تعليق

Print

Add to FacebookAdd to DiggAdd to Del.icio.usAdd to StumbleuponAdd to RedditAdd to BlinklistAdd to TwitterAdd to TechnoratiAdd to Yahoo BuzzAdd to Newsvine

بلدان زوار المدونة

free counters