لا شك أن الكذب داء عظيم إذ يعد من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وقد جُعل من آيات النفاق وعلاماته، ويُعد صاحبه مجانبًا للإيمان، فالكذب والإيمان لا يمكن أن يجتمعا إلا ويطغى أحدهما على حساب الآخر .
والكذب ريبة ومفسدة على صاحبه خاصة اذا لم يكن مضطرا له ، أو اقام أركانه عن عمد عندها يكون الأمر متعلقًا بأمر اعتقادي.
ومن صور التقليد الأعمى ونحن على بعد أيام من شهر ابريل ،ما يعرف بكذبة ( ابريل ) نيسان ، وكم رأينا وسمعنا لهذه الكذبة من عواقب سيئة وحقد وضغائن وتقاطع وتدابر بين الناس ، وكم جرت هذه الكذبة على الناس من ويلات بين الأصدقاء بل وبين أهل البيت الواحد، وكم عطلت على الناس من مصالح نتيجة ذلك، وكم أوقعتهم في خسائر مادية ومعنوية وغير ذلك، بسبب هذا التقليد الأعمى المتبع من عهد قديم في معظم الدول الأوروبية .
وأما شهر إبريل نيسان فهو الشهر الرابع من السنة الميلادية ،وإبريل اسم مشتق من الأصل اللاتيني "ابريليس" Aprilis في التقويم الروماني القديم ، وقد يكون مشتقًا من الفعل اللاتيني "فتح" Apreire دلالة على ابتداء وافتتاح موسم الربيع، وظهور البراعم وتفتح الأزهار.
وكان شهر ابريل هو مبدأ السنة بدلا من شهر يُناير (كانون الثاني) في فرنسا. وفي عام 1654م أمر شارل التاسع ملك فرنسا بجعل أول السنة يناير عوضا عن ابريل.
وهناك تعليلات أخرى يعود بعضها إلى الإغريق ،لأن شهر إبريل يمثل مطلع الربيع، فكان الرومان قد خصصوا اليوم الأول من شهر ابريل لاحتفالات "فينوس" وهي رمز الحب والجمال والمرح والضحك والسعادة عندهم.
وقد كانت الأرامل والعذارى يجتمعن في روما وفي معبد فينوس تحديدا، ويكشفن لها عن عاهاتهن الجسمية والنفسية، ويبتهلن الى الاله فينوس ليخفيها عن أنظار أزواجهن.
وأما الأقوام الساكسونية فكانت تحتفل في هذا الشهر بعيد آلهتهم "ايستر" وهي إحدى آلهتهم القديمة وهو الاسم الذي يطلق عليه الآن عيد الفصح عند النصارى في اللغة الإنجليزية.
وبعد ما تقدم يظهر لنا ما لشهر ابريل من أهمية خاصة عند الأقوام الأوروبية في العصور القديمة.
ولم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك أراء بذلك ، فذكر بعضهم أنها نشأت مع احتفالات الربيع , عند تعادل الليل والنهار في 21 آذار (مارس).
ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام 1564م بعد فرض التقويم الجديد كما ذكرنا ، إذ كان الشخص الذي يرفض العمل بهذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر ابريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة، ويسخرون منه فيصبح محل استغفال الآخرين له.
ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية، لارتباطه بتاريخ معين في بداية فصل الربيع، إذ هي بقايا طقوس وثنية.
ويقال أن الصيد في بعض البلاد يكون قليلاً في أول أيام الصيد في الغالب، فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر ابريل .
يطلق الإنجليز على اليوم الأول من شهر ابريل اسم "يوم جميع المغفلين والحمقى " All Fools Day لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيقع ضحية لذلك فيسخرون منه.
وأول كذبة ابريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ "مجلة دريك" DRAKES NEWSLETTERS ففي اليوم الثاني من ابريل عام 1698م ذكرت هذه المجلة أن عددًا من الناس استلموا دعوة لمشاهدة عملية غسل الأسود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر ابريل.
ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول ابريل أن جريدة "ايفننج ستار" الإنجليزية أعلنت في 31 مارس ( آذار) سنة 1846م أن غدًا -أول ابريل- سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدينة اسلنجتون من البلاد الإنجليزية ستعرض فيه أنواع نادرة ومتنوعة من الحميرفهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادًا عظيمًا، وظلوا ينتظرون، فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم أنما جاؤوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير!!!
وإن من العجب العجاب ما يزعمه بعض الناس في هذه الكذبة عندما يحبكونها، حيث يقولون هذه "كذبة ابريل" ، وكأنهم يستحلون هذا الكذب في هذا اليوم تحديدا ، ونحن نعلم أن الكذب لا يجوز ولو على سبيل الدعابة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له".
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمازح ولكنه لا يقول في مزاحه إلا حقًا وهذا المزاح الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تطييب لنفس الصحابة، وتوثيق للمحبة، وزيادة في الألفة، وتجديد للنشاط والمثابرة ، ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لو تداومون على ما تكونون عندي من الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ، قالها ثلاث مرات.
فلنجعل من أول ابريل نيسان للعام 2010 يوما لا نقول فيه الا صدقا ، ولا تنطق شفاهنا فيه الا حقا ، ضدا عليهم واقتداءا بما أمرنا به نبينا الكريم .
إرسال تعليق