منذ أول مؤتمر قمة عربي عقد لتأسيس الجامعة العربية، توالت مؤتمرات القمة العربية حتى بلغ عددها 23 قمة والمؤتمر القادم رقم 24 سيقام في ليبيا يوم 28 مارس 2010.
وليعلم القارئ العزيز أن المؤسسة العربية المشرفة على العمل العربي المشترك والتي تعتبر مظلته 'جامعة الدول العربية' منذ تأسيسها بدأت تفرخ لنا مقلدة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة- فأنشأت الحكومات العربية باقتراحات من الجامعة العربية العديد من المنظمات العربية المتخصصة في مجالات : العمل- الزراعة- الصناعة- التنمية الإدارية- الطاقة- الإعلام- الطيران المدني، الى آخر القائمة.
كما أنشأت مجالس وزارية متخصصة احتوت التخصصات التي ليس بها منظمات أو اتحادات عربية ودولية مثل 'لمجلس الاقتصادي والاجتماعي'-مجلس الوحدة الاقتصادية- مجلس وزراء العدل العرب- مجلس وزراء الداخلية العرب- مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب- مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب- وغيرها من المجالس التي غالبًا ما يكون لها مكتب تنفيذي لكل منها وأمانة عامة لهذا المكتب يطلق عليها الأمانة الفنية لذلك المجلس 'أيا كان اسمه'.
وهذه المجالس والمنظمات تعقد اجتماعًا عامًا في العام، كما تعقد مكاتبها أكثر من اجتماع سنوي، كما أن أمانتها الفنية وخبراءها يجتمعون سنويا أيضًا. إلى جانب اجتماعات مجلس الجامعة على مستوى المندوبين- سفراء الدول العربية بالجامعة العربية بالقاهرة- الذين يجتمعون شهريًا أو كلما دعت الضرورة لذلك وأيضا للتحضير لاجتماعات المجلس على مستوى وزراء الخارجية العرب.
تصوروا معي حجم هذه الاجتماعات وتكاليفها السنوية، وهنا لا انظر إلى المصاريف لو كان لهذه الاجتماعات انعكاسات إيجابية على المواطن العربي والشعوب العربية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا أو تعود على أمتنا بالخير والتطور والتقدم والرفاهية!
ولكن من تجربتي المباشرة، أؤكد لكم: إن اجتماعات العرب على كافة المستويات والأصعدة لا يتم تنفيذ 1% من نتائج اجتماعاتها الإيجابية، هذا إذا كنت متفائلا- حيث لا توجد ترجمة حقيقية لما يتم الاتفاق عليه حتى يتحول ذلك إلى واقع ملموس يحس بتأثيره الإنسان العربي الذي يشعر بالمرارة من الخوف على مستقبل أمته.
وبعد هذه المقدمة وبمناسبة انعقاد الدورة الرابعة والعشرين للقمة القادمة في ليبيا أريد أن أشير إلى بعض المزايا التي تصاحب القمم العربية.
الميزة الأولى: تسابق الدول المستضيفة للقمم في حسن الاستقبال وطوابير التشريفات وفرق الموسيقى وتقديم الورود والزهور وإعادة تأثيث صالات الاستقبال في المطارات، وقارن ذلك- أخي العربي- مع كيفية وصول رؤساء دول الاتحاد الأوربي أو اجتماعات الثمانية الكبار، وبساطة استقبالهم'.
الميزة الثانية : إنشاء وإعادة تأثيث مقار إقامة الملوك والرؤساء والبذخ المغالى فيه من أجل إبراز إمكانيات الدولة وكرم ضيافتها من خلال فخامة مقار الإقامة وديكورات قاعات الاجتماعات.
الميزة الثالثة: إقامة الولائم المبالغ في نوعية الأكل المقدم فيها، وأن يتم تناول أصحاب الجلالة والفخامة والعظمة الأكل على أصوات الموسيقى الوطنية وتقديم بعض اللوحات الاستعراضية التي تشبه 'ليالي هارون الرشيد'.
الميزة الرابعة : نستمع نحن العرب في كل مكان في جلسة الافتتاح إلى خطابات رنانة مدوية يعبر ويستعرض فيها كل زعيم عن إخلاصه للأمة العربية وحرصه على نصرة شعب فلسطين واهتمامه بكافة العوامل المحققة للتكامل العربي ويحرص هؤلاء جميعًا أن تكون خطبهم منقولة نقلاً مباشرًا وهو هنا في الواقع يريد أن يقول لشعبه 'شوفوا أنا إيش مع هؤلاء، أنا أفضل منهم'.
الميزة الخامسة : بعد جدال يبدأ في كواليس الجامعة العربية بالأمانة العامة قبل القمة بشهرين تقريبًا ثم مع مندوبي الدول بالجامعة العربية لمناقشة وإعداد قرارات القمة وبيانها الختامي ثم مع وزراء الخارجية العرب ويدخلون للقمة والقرارات والبيان جاهز ويترك هامش لأي تعديلات يفاجئون بها أثناء الاجتماعات.
لا شك أن خبراء الجامعة العربية المحترفين في الصياغات والديباجات رغم التناقضات في الآراء يصلون إلى ما يسمونه الصياغة التوفيقية التي يقتنع بها كل الأطراف المختلفة ولكنها صياغة باهتة لا تؤدى إلى أي شكل من أشكال المسئولية تجاه موضوع القرار ولا شك أن لغتنا العربية الغنية بالمصطلحات تساعد هؤلاء المخضرمين في الوصول إلى الصياغات التوفيقة الباهتة للبيان الختامي الذي يتفضل السيد الأمين العام بتلاوته في الجلسة الختامية لمؤتمر القمة ويصفق له الجميع فور الانتهاء من قراءته.
هذه هي الميزات العلنية التي يعلمها جيدًا كل المتتابعين والمنظمين لاجتماعات القمة العربية، غير أنني كنت خلال الفترة من 1999 إلى 2007 قريبًا- إلى حد ما- من مطبخ الاجتماعات بالجامعة العربية، وهنا لا أدعى المعرفة والإلمام بكل شيء إلماما كاملا، ولكن حضوري للاجتماعات حتى المغلقة غير المعلنة وما يصلني من بعض الأعضاء الفاعلين في المطبخ 'المخضرمين في الصياغات'- كوّن لديّ بعض المعرفة وإن كانت قليلة إلا أنها أعطتني انطباعات رأيت أن أضعها أمام القارئ العربي شهادة للتاريخ، وليعلم المواطن العربي ولو الشيء البسيط عن كيفية الحوار الذي يدور بين القادة في الجلسات المغلقة.
وأذكر على سبيل المثال هذا الحوار كمثل أورده للتدليل على ما وصلت إليه أحوال اجتماعاتنا على مستوى القمة:
في إحدى الجلسات كان المتحدث الأمين العام للجامعة العربية شارحا الوضع المالي وما تعانيه الجامعة من صعوبات، حيث أكد أن الظروف بهذه الطريقة لا تساعده على الاستمرار في أداء واجبه وأنهم- أي القادة- إذا لم يقفوا معه ويدعموه فإنه سيكون غير قادر على الاستمرار في أداء واجبه ويفضل التنحي عن موقعه ولعلهم يجدون من هو أفضل منه ويستطيع الاستمرار مع هذه الظروف.
وهنا قاطعه أحد الزعماء قائلا : يا عمرو أنت تقصد ان 'فلان' لم يدفع لك.. أنا سأقنعه بالدفع.. وهنا يقاطع فلان قائلا: يا '......' لما تدفع اللي عليك لي سأدفع لعمرو..
ويتدخل ثالث في النقاش: 'إحنا مانستغناش عنك ياعمرو وإن شاء الله يكون خير'.
تصوروا معي أن يتم النقاش هكذا وبنفس الطريقة والأسلوب حتى في أهم القضايا السياسية المصيرية، أما القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي تهم المواطن العربي فلا تحظى بأي نقاش من القادة، بل تترك لما يتفق عليه الخبراء ويباركه الوزراء ويعتمده بعد ذلك الزعماء دون نقاش أو اطلاع لسببين:
الأول: أن وقت القادة لا يسمح لهم بنقاش مثل هذه الموضوعات.
والسبب الثاني: أنهم لا يفقهون شيئًا في فنيات السياسات العامة لقضايا التعليم والصحة والاقتصاد والاجتماع.
وقد شهدت القمم العربية العديد من القرارات الشائكة والمهمة للمواطن العربي، مثل قمة 'اللا آت الثلاثة' بالخرطوم وقمة 'القدس' بالرباط، ففي هاتين القمتين صدرت قرارات مصيرية أين هي الآن من واقعنا المرير.
ودعني أظهر لك حقيقة اجتماعات الوفود العربية على كافة المستويات، والتي يتحقق منها الآتي:
أولا: يقولون لبعضهم البعض في الاجتماعات كلاما يختلف تمامًا عما تقوله وسائل الإعلام.
ثانيا: يقولون لشعوبهم كلاما يختلف عما يقولونه في الاجتماعات المغلقة، ويختلف تماما لما يقولونه للإدارة الأمريكية ، وكلامهم للاتحاد الأوروبي يختلف عما يقولونه للاثنين.
ثالثا: يصدرون بيانات وقرارات تنتهي بالتصفيق والحفظ الالكتروني، وهو الآن محفوظ في أدراج أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية، وقد يتم الاطلاع عليها في السنة التالية للاستعانة بها في صياغة البيانات الجديدة لأن معظم القضايا مكررة ومعظم البيانات هي نفسها البيانات السابقة، مع بعض التقديم والتأخير وتلميع الصياغات وتغيير التواريخ.
رابعًا: إصدار البيانات الإعلامية لطمأنة الشارع العربي على الرغم من أنه فقد الثقة في هذه الاجتماعات ونتاجها.
وأتساءل أخيرًا عن قمة ليبيا التي تعقد لأول مرة في بلادنا: هل ستعبر عن آمال وطموحات ورغبات العرب رجالا ونساء وأطفالا وأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة، علاوة على ما يتناوله محترفو السياسة والكتاب المعبرون عن كافة مشاكل المجتمع العربي الحياتية.
سؤال آخر: هل تستطيع القمة أن تقرر آلية حقيقية فاعلة لمواجهة مشاكل الشباب في التشغيل ووضع برامج لاستثمارات عربية عربية من أجل خلق فرص عمل للشباب العربي حتى يستطيع أن يسهم في بناء هذه الأمة؟
وهل تستطيع القمة أن تضع حرية وكرامة الإنسان العربي في كل قطر فوق كل الاعتبارات وتمنحه حرية التنقل بين الأقطار الشقيقة للعمل والكسب مع حقها في وضع الضوابط الأمنية الحديثة وفق أحدث الوسائل الإلكترونية؟
وهل تستطيع القمة أن تلزم واضعي المناهج التعليمية والتربوية بتوحيدها في كل الأقطار العربية لنجد بعد سنوات جيل يحمل ثقافة تعليمية واحدة؟
وهل تستطيع القمة أن تصدر مؤسسة عربية للترجمة والبحث العلمي يتم من خلالها القيام سنويًا بترجمة المراجع العلمية من لغتها الأم للغة العربية للإسهام في إثراء المكتبة العربية بأحدث المراجع العلمية كما فعلوا هم في القرون الوسطى عندما ترجموا أمهات العلوم من العربية إلى لغاتهم؟
وهل تستطيع القمة أن تحقق تكاملا في الخدمات الصحية والتأمينية وغيرها للمواطنين العرب في الوطن العربي؟
وهل تستطيع القمة أن تحقق العديد من طلبات الأفراد والأسر العربية في قضايا الاقتصاد والمجتمع وللقادة أن يقرروا ما يشاءون في أمور السياسة، بعد أن وصلنا إلى قناعة تامة بأنهم جميعًا سعيهم وهدفهم هو استمرارهم في الحكم!
بالتأكيد أيها السادة لن تستطيع القمة أن تحقق ذلك وسنستمع في ليبيا إلى خطابات 'رنانة' ومواعظ وبيانات تليق وتنسجم مع توجهات السادة المجتمعين بصيغ توافقية لخلافاتهم، وستبرز حتما شكلا من أشكال المجاملة للدولة المضيفة كالعادة.
وأخيرًا: كل قمة 'هابطة' وأنتم جميعًا شعوباً وحكامًا بخير.
وليعلم القارئ العزيز أن المؤسسة العربية المشرفة على العمل العربي المشترك والتي تعتبر مظلته 'جامعة الدول العربية' منذ تأسيسها بدأت تفرخ لنا مقلدة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة- فأنشأت الحكومات العربية باقتراحات من الجامعة العربية العديد من المنظمات العربية المتخصصة في مجالات : العمل- الزراعة- الصناعة- التنمية الإدارية- الطاقة- الإعلام- الطيران المدني، الى آخر القائمة.
كما أنشأت مجالس وزارية متخصصة احتوت التخصصات التي ليس بها منظمات أو اتحادات عربية ودولية مثل 'لمجلس الاقتصادي والاجتماعي'-مجلس الوحدة الاقتصادية- مجلس وزراء العدل العرب- مجلس وزراء الداخلية العرب- مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب- مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب- وغيرها من المجالس التي غالبًا ما يكون لها مكتب تنفيذي لكل منها وأمانة عامة لهذا المكتب يطلق عليها الأمانة الفنية لذلك المجلس 'أيا كان اسمه'.
وهذه المجالس والمنظمات تعقد اجتماعًا عامًا في العام، كما تعقد مكاتبها أكثر من اجتماع سنوي، كما أن أمانتها الفنية وخبراءها يجتمعون سنويا أيضًا. إلى جانب اجتماعات مجلس الجامعة على مستوى المندوبين- سفراء الدول العربية بالجامعة العربية بالقاهرة- الذين يجتمعون شهريًا أو كلما دعت الضرورة لذلك وأيضا للتحضير لاجتماعات المجلس على مستوى وزراء الخارجية العرب.
تصوروا معي حجم هذه الاجتماعات وتكاليفها السنوية، وهنا لا انظر إلى المصاريف لو كان لهذه الاجتماعات انعكاسات إيجابية على المواطن العربي والشعوب العربية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا أو تعود على أمتنا بالخير والتطور والتقدم والرفاهية!
ولكن من تجربتي المباشرة، أؤكد لكم: إن اجتماعات العرب على كافة المستويات والأصعدة لا يتم تنفيذ 1% من نتائج اجتماعاتها الإيجابية، هذا إذا كنت متفائلا- حيث لا توجد ترجمة حقيقية لما يتم الاتفاق عليه حتى يتحول ذلك إلى واقع ملموس يحس بتأثيره الإنسان العربي الذي يشعر بالمرارة من الخوف على مستقبل أمته.
وبعد هذه المقدمة وبمناسبة انعقاد الدورة الرابعة والعشرين للقمة القادمة في ليبيا أريد أن أشير إلى بعض المزايا التي تصاحب القمم العربية.
الميزة الأولى: تسابق الدول المستضيفة للقمم في حسن الاستقبال وطوابير التشريفات وفرق الموسيقى وتقديم الورود والزهور وإعادة تأثيث صالات الاستقبال في المطارات، وقارن ذلك- أخي العربي- مع كيفية وصول رؤساء دول الاتحاد الأوربي أو اجتماعات الثمانية الكبار، وبساطة استقبالهم'.
الميزة الثانية : إنشاء وإعادة تأثيث مقار إقامة الملوك والرؤساء والبذخ المغالى فيه من أجل إبراز إمكانيات الدولة وكرم ضيافتها من خلال فخامة مقار الإقامة وديكورات قاعات الاجتماعات.
الميزة الثالثة: إقامة الولائم المبالغ في نوعية الأكل المقدم فيها، وأن يتم تناول أصحاب الجلالة والفخامة والعظمة الأكل على أصوات الموسيقى الوطنية وتقديم بعض اللوحات الاستعراضية التي تشبه 'ليالي هارون الرشيد'.
الميزة الرابعة : نستمع نحن العرب في كل مكان في جلسة الافتتاح إلى خطابات رنانة مدوية يعبر ويستعرض فيها كل زعيم عن إخلاصه للأمة العربية وحرصه على نصرة شعب فلسطين واهتمامه بكافة العوامل المحققة للتكامل العربي ويحرص هؤلاء جميعًا أن تكون خطبهم منقولة نقلاً مباشرًا وهو هنا في الواقع يريد أن يقول لشعبه 'شوفوا أنا إيش مع هؤلاء، أنا أفضل منهم'.
الميزة الخامسة : بعد جدال يبدأ في كواليس الجامعة العربية بالأمانة العامة قبل القمة بشهرين تقريبًا ثم مع مندوبي الدول بالجامعة العربية لمناقشة وإعداد قرارات القمة وبيانها الختامي ثم مع وزراء الخارجية العرب ويدخلون للقمة والقرارات والبيان جاهز ويترك هامش لأي تعديلات يفاجئون بها أثناء الاجتماعات.
لا شك أن خبراء الجامعة العربية المحترفين في الصياغات والديباجات رغم التناقضات في الآراء يصلون إلى ما يسمونه الصياغة التوفيقية التي يقتنع بها كل الأطراف المختلفة ولكنها صياغة باهتة لا تؤدى إلى أي شكل من أشكال المسئولية تجاه موضوع القرار ولا شك أن لغتنا العربية الغنية بالمصطلحات تساعد هؤلاء المخضرمين في الوصول إلى الصياغات التوفيقة الباهتة للبيان الختامي الذي يتفضل السيد الأمين العام بتلاوته في الجلسة الختامية لمؤتمر القمة ويصفق له الجميع فور الانتهاء من قراءته.
هذه هي الميزات العلنية التي يعلمها جيدًا كل المتتابعين والمنظمين لاجتماعات القمة العربية، غير أنني كنت خلال الفترة من 1999 إلى 2007 قريبًا- إلى حد ما- من مطبخ الاجتماعات بالجامعة العربية، وهنا لا أدعى المعرفة والإلمام بكل شيء إلماما كاملا، ولكن حضوري للاجتماعات حتى المغلقة غير المعلنة وما يصلني من بعض الأعضاء الفاعلين في المطبخ 'المخضرمين في الصياغات'- كوّن لديّ بعض المعرفة وإن كانت قليلة إلا أنها أعطتني انطباعات رأيت أن أضعها أمام القارئ العربي شهادة للتاريخ، وليعلم المواطن العربي ولو الشيء البسيط عن كيفية الحوار الذي يدور بين القادة في الجلسات المغلقة.
وأذكر على سبيل المثال هذا الحوار كمثل أورده للتدليل على ما وصلت إليه أحوال اجتماعاتنا على مستوى القمة:
في إحدى الجلسات كان المتحدث الأمين العام للجامعة العربية شارحا الوضع المالي وما تعانيه الجامعة من صعوبات، حيث أكد أن الظروف بهذه الطريقة لا تساعده على الاستمرار في أداء واجبه وأنهم- أي القادة- إذا لم يقفوا معه ويدعموه فإنه سيكون غير قادر على الاستمرار في أداء واجبه ويفضل التنحي عن موقعه ولعلهم يجدون من هو أفضل منه ويستطيع الاستمرار مع هذه الظروف.
وهنا قاطعه أحد الزعماء قائلا : يا عمرو أنت تقصد ان 'فلان' لم يدفع لك.. أنا سأقنعه بالدفع.. وهنا يقاطع فلان قائلا: يا '......' لما تدفع اللي عليك لي سأدفع لعمرو..
ويتدخل ثالث في النقاش: 'إحنا مانستغناش عنك ياعمرو وإن شاء الله يكون خير'.
تصوروا معي أن يتم النقاش هكذا وبنفس الطريقة والأسلوب حتى في أهم القضايا السياسية المصيرية، أما القضايا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي تهم المواطن العربي فلا تحظى بأي نقاش من القادة، بل تترك لما يتفق عليه الخبراء ويباركه الوزراء ويعتمده بعد ذلك الزعماء دون نقاش أو اطلاع لسببين:
الأول: أن وقت القادة لا يسمح لهم بنقاش مثل هذه الموضوعات.
والسبب الثاني: أنهم لا يفقهون شيئًا في فنيات السياسات العامة لقضايا التعليم والصحة والاقتصاد والاجتماع.
وقد شهدت القمم العربية العديد من القرارات الشائكة والمهمة للمواطن العربي، مثل قمة 'اللا آت الثلاثة' بالخرطوم وقمة 'القدس' بالرباط، ففي هاتين القمتين صدرت قرارات مصيرية أين هي الآن من واقعنا المرير.
ودعني أظهر لك حقيقة اجتماعات الوفود العربية على كافة المستويات، والتي يتحقق منها الآتي:
أولا: يقولون لبعضهم البعض في الاجتماعات كلاما يختلف تمامًا عما تقوله وسائل الإعلام.
ثانيا: يقولون لشعوبهم كلاما يختلف عما يقولونه في الاجتماعات المغلقة، ويختلف تماما لما يقولونه للإدارة الأمريكية ، وكلامهم للاتحاد الأوروبي يختلف عما يقولونه للاثنين.
ثالثا: يصدرون بيانات وقرارات تنتهي بالتصفيق والحفظ الالكتروني، وهو الآن محفوظ في أدراج أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية، وقد يتم الاطلاع عليها في السنة التالية للاستعانة بها في صياغة البيانات الجديدة لأن معظم القضايا مكررة ومعظم البيانات هي نفسها البيانات السابقة، مع بعض التقديم والتأخير وتلميع الصياغات وتغيير التواريخ.
رابعًا: إصدار البيانات الإعلامية لطمأنة الشارع العربي على الرغم من أنه فقد الثقة في هذه الاجتماعات ونتاجها.
وأتساءل أخيرًا عن قمة ليبيا التي تعقد لأول مرة في بلادنا: هل ستعبر عن آمال وطموحات ورغبات العرب رجالا ونساء وأطفالا وأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة، علاوة على ما يتناوله محترفو السياسة والكتاب المعبرون عن كافة مشاكل المجتمع العربي الحياتية.
سؤال آخر: هل تستطيع القمة أن تقرر آلية حقيقية فاعلة لمواجهة مشاكل الشباب في التشغيل ووضع برامج لاستثمارات عربية عربية من أجل خلق فرص عمل للشباب العربي حتى يستطيع أن يسهم في بناء هذه الأمة؟
وهل تستطيع القمة أن تضع حرية وكرامة الإنسان العربي في كل قطر فوق كل الاعتبارات وتمنحه حرية التنقل بين الأقطار الشقيقة للعمل والكسب مع حقها في وضع الضوابط الأمنية الحديثة وفق أحدث الوسائل الإلكترونية؟
وهل تستطيع القمة أن تلزم واضعي المناهج التعليمية والتربوية بتوحيدها في كل الأقطار العربية لنجد بعد سنوات جيل يحمل ثقافة تعليمية واحدة؟
وهل تستطيع القمة أن تصدر مؤسسة عربية للترجمة والبحث العلمي يتم من خلالها القيام سنويًا بترجمة المراجع العلمية من لغتها الأم للغة العربية للإسهام في إثراء المكتبة العربية بأحدث المراجع العلمية كما فعلوا هم في القرون الوسطى عندما ترجموا أمهات العلوم من العربية إلى لغاتهم؟
وهل تستطيع القمة أن تحقق تكاملا في الخدمات الصحية والتأمينية وغيرها للمواطنين العرب في الوطن العربي؟
وهل تستطيع القمة أن تحقق العديد من طلبات الأفراد والأسر العربية في قضايا الاقتصاد والمجتمع وللقادة أن يقرروا ما يشاءون في أمور السياسة، بعد أن وصلنا إلى قناعة تامة بأنهم جميعًا سعيهم وهدفهم هو استمرارهم في الحكم!
بالتأكيد أيها السادة لن تستطيع القمة أن تحقق ذلك وسنستمع في ليبيا إلى خطابات 'رنانة' ومواعظ وبيانات تليق وتنسجم مع توجهات السادة المجتمعين بصيغ توافقية لخلافاتهم، وستبرز حتما شكلا من أشكال المجاملة للدولة المضيفة كالعادة.
وأخيرًا: كل قمة 'هابطة' وأنتم جميعًا شعوباً وحكامًا بخير.
بقلم د. ابراهيم قويدر - ليبيا (منقول)
هابطة وبس هابطة وهايطة كمان لنا الله نحن العرب ولا أحد سواه