نعم انها سفينتي وأنا ظننت أني ربانها الماهر ، ولكن ثقتي بها جعلتني أتمادى وأبحر بعيدا بلا شراع ، لم أطق أن أنتظر أي شيء يجبرني على تحديد وجهتي ، أبحرت بعيدا غير آبه بتحذير الصيادين ولا بوعيد البحارة لي بالهلاك، كنت أشعر أن تلك السفينة التي احتوتني لا يمكن أن تغدر بي أو تسلمني لهدير البحر الموحش دون أن تضمني اليها ، فهي كانت معي دوما في مد البحر وجزره ، كنت بين الفينة والأخرى أنظر الى سواريها العارية من أي شراع فكانت تذوب خجلا رغم علاقتنا الضاربة في جذور أعماقنا ، هي من جعلتني وقحا لدرجة الفجاجة ، شيء ما بداخلي كاد أن يصل حد اليقين يهمس في أذني ويلمع في عيناي المخضبتين بعبق البحر بأنني متجه الى جزيرة أحلامي ، كنت أراها من بعيد توغل خضرتها في زرقة مياه حبستها عن الأنظار .
كانت كل حواسي متلهفة لرؤية تلك الجزيرة الغناء ، وكنت أحس بكل ضلع من ضلوع سفينتي يتوق اليها أيضا ، يتلهف للرسو على ضفتها كيف لا وأحلامنا في وسط المحيط واحدة ، وآمالنا اتحدت في مشهد واحد نرنو اليه كلانا ..
كنت أهمس لها بحرقة عندما أحس بنظرات العتب تخترق حواجز الصمت : لا أنا لم أغامر بك ولست بالمقامر ، ولم يكن معي من المال ما يكفي لشراء أشرعة أكسو بها جسدك العاري ، ولو كان الأمر بيدي لفعلت ، ثم أردفت وقد بدأ صوتي يخبو رويدا رويدا يا سفينتي المعاتبة أنا لم أسلمك وحيدة فقد ركبت معك الموج وسلكت معك درب المجهول ..
جاء الغروب العاشر ونظراتي تهيم حائرة بين سفينتي التي تتلاعب بها أمواج المحيط الهادر ، وبين حلمي البعيد في أن أرى شجر النارنج الباسق من بعيد يتلوى مرحبا بقدومي الى مرتع راحتي الأزلية ..
لكنه كان الغروب الأخيـــــــــــــــــر ..
سفينتك مازالت هائمة ولن ترسو الا حيث تشاء انت
لا بد من الامل